من ديوان الشافعى قصص لا بُدَّ منها
[1] من أَين قلت: اتفاق الأُمَّة؟:
-قال الربيع بن سليمان(184): كنا يوماً عند الشافعي، إذ جاء شيخ عليه ثياب
صوف، وفي يده عُكَّازة, فقام الشافعي وسوَّى عليه ثيابه، وسلَّم على
الشَّيخ، وجلس، وأخذ الشافعي ينظر إلى الشيخ هيبة له إذ قال الشيخ:
الشيخ: أَسأَل؟.
الشافعي: سَل.
الشيخ: ما الحُجَّةُ(185) في دين اللّه؟.
الشافعي: كتاب اللّه.
الشيخ: وماذا؟.
الشافعي: سُنَّةُ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم [ص 74].
الشيخ: وماذا؟.
الشافعي: اتّفاق الأُمَّة؟.
الشيخ: من أين قُلت: اتفاق الأمة؟.
[فَتَدَبَّر الشَّافِعيُّ ساعةً، فقال الشيخ]:
الشيخ: قد أَجَّلْتُكَ ثلاثاً(186)، فَإِنْ جئتَ بِحُجَّةٍ من كتاب اللّه، وأِلاَّ تُبْ إِلى اللّه تعالى.
[فتغيَّر لونُ الشَّافعيِّ، ثمَّ إِنَّه ذهبَ، فلم يخرج إِلى اليوم
الثَّالث بين الظُّهر والعصر، وقد انْتَفَخَ وجهُهُ ويداه ورجلاه، وهو
مِسْقَامٌ(187)، فجلسَ، فلم يكن بأَسرع من أَن جاء الشَّيخ، فَسَلَّم،
وجلس فقال]:
الشيخ: حاجتي؟.
الشافعي: نعم.
أَعوذ بِاللّه مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم، قال اللّه تعالى: {وَمَنْ
يُشَاقِقِ الرَّسَولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبعُ
غَيْرَ سَبِيلِ المُؤُمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}(188).
فلا يُصْلِيهِ(189) على خِلاف المؤمنين إِلاَّ وهو فَرْضٌ.
الشيخ: صَدَقْتَ [ص 75].
[وقام فَذَهَبَ].
[ثم قال الشَّافعيُّ لجلسائه]:
الشافعي: قرأْتُ القرآن في كلِّ يوم وليلةٍ ثلاث مرات، حتَّى وقفتُ عليه(190) [ص 76].
--------------------
(184) الربيع بن سليمان: بن عبد الجبّار بن كامل المرادي، بالولاء،
المصري، أبو محمد، ولد بمصر سنة 174هـ الموافق 790م، صاحب الإمام الشافعي،
وراوي كتبه، وأَوَّل من أَملى الحديث بجامع ابن طولون، كان مؤذّناً، وفيه
سلامة وغفلة، توفي بمصر سنة 270هـ الموافق 884م.
انظر: تهذيب التهذيب: 3/245، ووفيات الأعيان: 1/183، والانتقاء: 117، والأعلام: 3/14.
(185) الحجة: الدليل والبرهان. وعند الفقهاء: ما يدل على صحة الدعوى: الدليل المفيد غلبة الظن. (معجم لغة الفقهاء: 175).
(186) أجلتك ثلاثاً: أمهلتك ثلاثة أيام.
(187) مسقام: سقم سَقماً وسُقماً وسقاماً: مرض في بدنه، أو طال مرضه، والسِّقام: المرض، والسَّقيم: المريض.
(188) سورة النساء الآية: 115 {يُشَاقِقِ الرَّسُولَ}: يخالفه. {نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}: نُحَلِّ بينه وبين ما اختاره لنفسه.
(189) يصليه: صلى صلياً: احترق بالنار وقاسى حرَّها.
(190) قال الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء: 10/84: انبئت بهذه القصة
عن منصور الفُرَاري، أخبرنا محمد بن إسماعيل الفارسي، أخبرنا أبو بكر
البيهقي، أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، حدثنا الزُّبير... فذكرها