السيد بهاء الدين مهدي الرواس الرفاعي
"السيد
بهاء الدين مهدي الرواس بن السيد علي بن السيد نور الدين بن السيد أحمد بن
السيد محمد بن السيد بدر الدين بن السيد علي الرديني بن السيد الكبير
العارف بالله ولي الله الشيخ محمود الصوفي الصيادي الرفاعي قدس الله تعالى
سره. العارف الذي تطابقت القلوب على محبته، واتفقت السرائر والضمائر على
عرفانه وولايته، والعالم الذي يفزع في مهم المشكلات إليه، ويعتمد في
الحصول إلى القرب والوصول عليه، قدوة الأنام، وصفوة السادة القادة الكرام:
ذو الكرامات التي لا تعد، والخوارق التي لا تحصى ولا تحد، وقد ترجمه
تلميذه العالم الذي انفرد في زمانه، والفاضل الذي أرشد أهل عصره وأوانه،
قطب السادة الأحمدية، ونقطة مدار القادة الرفاعية، من اشتهر فضله بكل
نادي، السيد أبو الهدى أفندي الرفاعي الصيادي، أطال الله بقاه، وأعلى في
مدارج السيادة مرتقاه، في كتابه قلادة الجواهر، في ذكر الغوث الرفاعي
وأتباعه الأكابر، فقال ما نصه:
ولد هذا الهمام، والأوحد الإمام،
سنة عشرين ومائتين وألف، وتوفي في سنة سبع وثمانين ومائتين وألف، وقد بلغ
رضي الله تعالى عنه من العمر سبعاً وستين سنة. وكانت ولادته في سوق الشيوخ
بليدة صغيرة من أعمال البصرة سكنها والده رحمه الله، وأعلى علاه، بعد
الطاعون الذي وقع في البصرة، وتوفي والده وبقي قدس سره يتيماً، ثم توفيت
أمه وقد بلغ خمس عشرة سنة. وكان قد قرأ القرآن على رجل هناك يقال له ملا
أحمد، وكان من الصالحين.
ففي خمس وثلاثين ومائتين وألف جذبه
القدر إلى السياحة، فخرج طالباً بيت الله الحرام، وجاور بمكة سنة، ثم تشرف
بزيارة جده عليه الصلاة والسلام، وجاور بالمدينة المنورة سنتين، وفيها
اشتغل بطلب العلم على رجال الحرم النبوي، ثم ذهب إلى مصر ونزل في الجامع
الأزهر، وبقي فيه ثلاث عشرة سنة، يتلقى العلوم الشرعية عن مشايخ الأزهر
وفضلائه، حتى برع في كل فن وعلم، وهو على قدم التجرد والفقر والانكسار، ثم
عاد سائحاً إلى العراق، فاجتمع بالشيخ العارف بالله ولي الله السيد عبد
الله الراوي الرفاعي، فأخذ عنه الطريقة، ولزم خدمته والسلوك على يديه مدة،
وأجازه قدس الله سره وأقامه خليفة عنه. ثم طاف البلاد وذهب إلى الهند
وخراسان والعجم والتركستان والكردستان، وجاب العراق والشام و القسطنطينية
والأنادول والروملي، وعاد إلى الحجاز، وذهب إلى اليمن ونجد والبحرين وطاف
البادية والحاضرة؛
واجتمع على أهل الأحوال الباطنة والظاهرة،
وأكرمه الله بالولاية العظيمة، والمناقب الكريمة، والأخلاق الحميدة،
والطباع الفريدة، والقطبية الكبرى، والمرتبة الزهرا، وقد تجرد بطبعه عن
التصرف والظهور، والتزم الطريق المستور، وعد نفسه من أهل القبور، وكان
كثيراً ما يعاود في سياحته إلى بغداد، وكان يتجر لدفع الضرورة والتخلص من
الاحتياج، ببيع رؤوس الغنم المطبوخة، فإذا وجد منها ما يدفع الضرورة
البشرية، ترك البيع إلى أن تنفذ دراهمه، فيعود إلى البيع،
وكان
لا يمكث في بلدة سبعة أشهر قط، وأكثر إقامته في البلاد تحت الثلاثة أشهر،
وكان يلبس ثوباً أبيض وفوقه دراعة زرقاء وعبا قصيرة من دون أكمام، وحزامه
من الصوف الأسود عملاً بالأثر الرفاعي، والسنة المحمدية، واختفاء عن ظاهر
الشيخ. وكان قدس سره إمام الوقت وشيخ العصر علماً وعملاً وزهداً وأدبا،
براهينه باهرة، وسريرته طاهرة، وقدمه متين، وعزمه مكين، وكشفه عجيب، وحاله
غريب.
منّ الله علي بالاجتماع عليه، والانتساب إليه، في بغداد
دار السلام، في حضرة الباز الأشهب، والطراز المذهب، مولانا الشيخ عبد
القادر الجيلي قدس سره ورضي الله عنه، وتبركت بخدمته، وتشرفت وتشرفت
ببيعته، وتنورت بمشاهدته، وتعطرت بمشافهته، وأخذ ت عنه الطريقة، ولبست منه
الخرقة، وتلقيت عنه بعض علوم الشريعة والحقيقة، فهو شيخي ومعيني، وأستاذي،
وقرة عيني وملاذي، وعياذي ومحل اعتقادي، وواسطة استنادي، بلى والله، وهو
الشيخ الجليل العارف بالله، المتردي برداء الخفاء المشغول بالله عن غيره،
السائح العابد الزاهد صاحب المعارف والعوارف، والبركات واللطائف، والعلم
الغزير، والقلب المنير، والسر الصادق، والمدد البارق، والحال العجيب،
والشأن الغريب، والعلوم العظيمة، والهمم الكريمة، والآداب المقبولة،
والكلمات المنقولة،" اهـ.